little whisper .....
عدد المساهمات : 753 العمر : 34 نشاط العضو : النقاط : 63081 تاريخ التسجيل : 24/09/2007
| موضوع: هدية محمد صلى الله عليه وسلم في الصوم 8/16/2009, 10:44 | |
| بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثارُ من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن الكريم في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان (1)، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن الكريم، والصلاة والذكر والاعتكاف. وكان يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخصُّ غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن الوصول، فيقول له: إنك تواصل، فيقول: "لستُ كهيئتكم، إني أبيت عند ربي يُطعمني ويسقيني"(2). والله عزَّ وجلَّ خص رسوله عند هذا الوصال بلطائف المعارف، ودرر الحكم وفيض أنوار الرسالة، لا أنه طعام وشراب حقيقة، إذ لو كان كذلك لما كان عليه الصلاة والسلام صائماً. فلما قرّت عينه عليه الصلاة والسلام بمعبوده، وانشرح صدره بمقصوده وتنعم باله بذكر مولاه، وصلح حاله بالقرب مِن ربّه نسي الطعام والشراب كما قال الأول:
فزادُ الرُّوح أرواحُ المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا فليس يُضيرك الإفتارُ شيئاً إذا ما أنت ربك قد عرفتا
والرسول صلى الله عليه وسلم أذكر الذاكرين وأعبدُ العابدين، جعل شهر رمضان موسماً للعبادة، وزمنا للذكر والتلاوة. ليله صلى الله عليه وسلم قيام يناجي مولاه، ويضرع إلى ربه يسأله العون والسداد والفتح الرشاد، يقرأ بالسور الطوال، ويطيل الركوع والسجود، شأن النهم الذي لا يشبع من العبادة، جعل من قيامه الليل زاداً وعتاداً، وقوة وطاقة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2)} [المزمل] وقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً(79)} [الإسراء]. ونهاره عليه الصلاة والسلام دعوة وجهاد ونصح وتربية ووعظ وفتيا. - وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ألا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد(3). - وكان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور، فقد صح عنه أنه قال: "تسحروا فإن في السحور بركة"(4) لأن وقت السحور مبارك، إذ هو في الثلث الأخير من الليل وقت النزول الإلهي، ووقت الاستغفار. قال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18)} [الذاريات]، وقال تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ(17)} [آل عمران]. ثم إن السحور عون على الصيام والعبادة، ثم هو صرف للنعمة في عبادة المنعم سبحانه وتعالى. - وكان عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه أمرا وفعلا يُعجل الإفطار بعد غروب الشمس(5)، فيفطر على رطب أو تمر أو ماء(6) لأن خالي المعدة أوفق شئ له الحلاوة، فكان في الرطب والتمر ما يوافق الصائم الجائع. - وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد"(7). فكان عليه الصلاة والسلام بخيري الدنيا والآخرة. - وكان يفطر صلى الله عليه وسلم قبل أن يصلي المغرب(8) . وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا اقبل الليل من ها هنا، وأدبر من ها هنا فقد أفطر الصائم"(9). - وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصام وأفطر، وخيّروا الصحابة في الأمرين(10). - وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله(11). - وخرج صلى الله عليه وسلم لبعض غزواته وسراياه في رمضان بل كانت بدر الكبرى في رمضان، فنصره الله نصرا ما سمع العالم بمثله، وأفطر صلى الله عليه وسلم في غزوتين من غزواته، في رمضان(12)، كما أخبر بذلك عمر رضي الله عنه عند الترمذي وأحمد، ولم يحدد صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد ولا صح عنده في ذلك شيء. - وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله، فيغتسل بعد الفجر ويصوم(13) وكان يقبل بعد أزواجه وهو صائم في رمضان(14)، وشبه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء(15). - وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسيا، وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه(16). والذي صح عنه عليه الصلاة والسلام: أن الذي يفطر الصائم: الأكل والشرب والحجامة(17) والقيء(18). والقرآن الكريم دل على أن الجماع مفطر كالأكل والشرب. - واعتكف عليه الصلاة والسلام في العشر الأواخر في رمضان(19)، فجمع قلبه مع الله تعالى، وفرغ باله من هموم الدنيا، وسرح عين قلبه في ملكوت السموات والأرض، وقلل من التقائه بالناس، فأكثر من التبتل والابتهال ودعاء ذي الجلال والإكرام. وعكف قلبه على مدارسة الأسماء والصفات، وعلى مطالعة الآيات البينات، والتفكر في مخلوقات رب الأرض والسموات، فلا إله إلا الله كم من معرفة وحصلت له، وكم من نور ظهر له، وكم من حقيقة ظفر بها؟ فهو اعلم الناس بالله، وأخوف الناس من الله، وأتقى الناس لله، وأبلغ الناس توكلا على الله، وأبذل الناس لنفسه في ذات الله فعليه الصلاة والسلام ما تضوع مسك وفاح، وما ترنم حمام وناح، وما شدا بلبل وصاح.
(1) متفق عليه عن ابن عباس. (2) رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ. (3) رواه أبو داود والدار قطني وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. (4) متفق عليه. (5) رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد والبهيقي. (6) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم وحسنه الألباني في إرواء الغليل 2/4 ص 45 وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. (7) رواه ابن ماجه وحسنه الأناؤوط في تحقيق زاد المعاد. (8) رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن خزيمة وسنده صحيح كما ذكر ذلك الأناؤوط في تحقيق زاد المعاد. (9) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن الجارود وغيرهم. (10) متفق عليه من حديث عائشة. (11) رواه مسلم وأبو داود. (12) رواه الترمذي وأحمد. (13) أخرجه مالك في الموطأ ورواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما. (14) متفق عليه واللفظ لمسلم. (15) أخرجه أبو داود من حديث عمر وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. (16) أخرجه الجماعة إلا النسائي. (17) أخرجه أبو داود والدارمي وابن ماجه والطحاوي وابن الجارود وصححه الألباني في إرواء الغليل. (18) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والدار قطني والحاكم والبيهقي والطحاوي وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (19) متفق عليه. | |
|