لا تصالح ولو منحوك الذهب.. صالح بس قبل الإفطار الخصام أو الخلاف لا تخلو منه أي علاقة تجمع بين طرفين؛ ولأننا نعيش في أيام مباركة في هذا الشهر العظيم فقد قررنا أن نستغلّ هذه الأجواء الروحانية في إزالة أي شوائب أو خلافات أو خصام.. حتى تعود المياه لمجاريها.. ورمضان كريم..
قبل الإفطار بساعتين
"صالح" موظف بوزارة التربية والتعليم خلقه ضيق وبيتخانق من أقلّ حاجة كما أنه لا يترك السيجارة من يده -إلا في الشهر الكريم- وهو متزوج منذ عام من "مديحة" بعد قصة حب عنيفة.. "صالح" اعتاد أن يحضر للبيت في الأيام العادية ليجد المدام وقد أعدت من الطعام مما تشتهيه الأنفس وبما أننا في أول أيام الشهر الكريم وعم "صالح" الجميل لم يعتدْ بعدُ على الصيام وقلة الأكل والسجاير والكلام، فبدأ يدخل في حالة من الزهق والتوهان؛ فهو في انتظار مدفع رمضان ورفع الأذان..
"صالح" راجع من العمل مجهد وتعبان وهو في طريقه للبيت اشترى بعض لوازم الإفطار وطبعاً "ريقه" أصبح أعنف من شلالات الأنهار.. المهم وصل البيت قبل الإفطار بساعتين ليجد زوجته في بداية إعداد الطعام واللي المفروض هياخد من ساعتين لساعتين ونص كده يعني.. طبعاً احمرّ وجه "صالح" وبدأ يتصبب عرقاً كأنه سيدخل امتحانات الثانوية العامة من جديد وطبعاً خلقه ضاق وبدأ على ملامحه الامتعاض -حلوة الامتعاض دي- وبصوت خانق قال: هو أنتِ يا "مديحة" لسه بتحضري الأكل ولاّ الأكل خلص؟، وده أكل السحور واللا ده إيه اللي بيحصل بالظبط فهميني؟!...
"مديحة": معلش يا حبيبي أنتَ عارف إنه أول يوم ولسه ما اتعودتش على رمضان وبصراحة صحيت متأخرة -ما أنتَ عارف نايمين بعد الفجر إمبارح بعد ما اتسحرنا وصلينا- يا دوب جبت لوازم البيت وبدأت أعمل الأكل وإن شاء الله هيكون جاهز على طول...ووووو
"صالح" يقاطعها قائلاً: وإن شاء الله عاملة كام صنف من الأكل على الفطار النهارده واللا إنتِ فاكرة إنه يوم عادي يا هانم؟ –وربنا أنا باموت من قلة الأكل وحاسس إني هاكل المنطقة باللي فيها بموائد رحمانها..
"مديحة": يا حبيبي ما إنتَ بتقول كده كل سنة وفي الآخر بتشرب البلح وبتقوم من غير ما تدوق ولا لقمة من الأكل اللي باقعد فيه يومين؛ على العموم أنا عاملة خمسة أصناف النهارده.
"صالح": إيه؟ خمسة إيه؟! دول يعملوا معايا إيه دول؟!! بقولك جعااااااااااااااان جعاااااااااااااااااان وماتقوليش باكل وما باكلش على الفطار أنا النهارده يا قاتل يا مقتول على السفرة.. وبعدين أنا ماليش دعوة أنا عايز كل أنواع الأكل اللي أعرفه يكون موجود على السفرة.. أنا داخل آخد دش وأقرأ شوية في المصحف لحد ما تتصرفي..
"مديحة" (بينها وبين نفسها): والله حرااااام الأكل ده كله يتعمل وفي الآخر يترمي في (الزبالة) والله أنا ما عارفة أعمل معاه إيه ده...
"صالح" بصوت عالي: مديحااااااااااة أنتِ لسه ما حضرتيش اللبس بتاعي ولا عايزاني آخد برد؟ فين يا هاااااااانم الـ........
مديحة: عندك يا حبيبي في ظهر الباب بتاع الحمام.. (هو مش لاقي حاجة يتخانق ويزعق عليها).
صالح: مديحااااااااااااااااااة تقدري تقولي لي زرار الكم بتاع الترنج متلخلخ ليه وكمان ما كويتيش الترنج كويس.
مديحة (وقد بدأت تشعر بالضيق): معلش يا حبيبي أصلي من الصبح مش فاضية بس بعد الفطار هيكون كل شيء تمام..
"صالح": وأنا لسه هاستنى بعد الفطار أنتِ مش عارفة إني هافطر وأنزل على طول أقعد على القهوة مع أصحابي.. دي بقت عيشة تقصّر العمر.
"مديحة": حاضر حاضر حاضر كل حاجة هتبقى زي ما أنتَ عايز حاااااااااااااااضر.. (وبصوت منخفض): بصراحة أنا زهقت من الخناق والصوت العالي كل يوم هو إحنا هنفضل في حالة الخصام دي على طول.. مش هنقعد يوم من غير خناق وكمان أول يوم في رمضان؛ يا رب بس يسكت على كده وخلاص فاضل عشر دقائق على الإفطار.
"صالح" من الغرفة الداخلية: مديحاااااااااااااااااااااة...........
صالح يا عم "صالح".. زي صابر يا عم "صابر"
طبعاً كلنا في البيت عندنا نسخة من "صالح" يعني يا إما بابا "صالح" يا إما أخويا، يا إما عمي أو خالي أو جدي والله ممكن ساعات تكون الأم -أيوه الأم- "صالح".. المهم فيه "صالح" وخلاص ويا سلام لو كان مدخن يعني لازم ولا بد يكون عصبي ومش طايق نفسه وفي الحالة دي هنقضي أيام صعبة، شوف كمان الحال في رمضان يعني 30 يوم من العذاب والخناق... علشان كده حتماً ولا بد أن يكون هناك نوع من أنواع الصبر والمثابرة بين الطرفين؛ يعني عم "صالح" ربنا يهديه على نفسه وعلى "مديحة" ويحاول يهدي شوية من طباعه ويعرف أن الحياة اتغيرت وأن سي السيد عصره انتهى يعني زي ما بنحب ناخد لازم كمان ندي، ونرجع ونكرر إن القُفّة اللي ليها ودنين بيشلوها اتنين وإن الحياة ما تنفعش من غير راجل وست وإن الحياة بدأت بأبونا آدم وأمنا "حوا" طبعاً الكلام الكتييييير ده والمقدمة الطوووووويلة دي علشان نوضح أن دور المرأة لا يقل أهمية عن دور الراجل يا عم "صالح" حتى لو ربة منزل فهي مَدرسة في بيتها، لذلك لا بد أن نستغل الشهر الكريم والأيام المباركة والشياطين المسلسلة ونُهدّئ من روعنا وزي ما الشهر مليان بالروحانيات والابتهالات والقلوب الخاشعة لله سبحانه وتعالى مفيش مانع أن يكون فيه مكان للتصالح ونبني بإيدينا نظام وقواعد جديدة في التعامل وفي التصالح في الحوار في المناقشة.. تصالح مع نفسك لتتصالح مع الآخرين.. فالدنيا ليست كلها دخان وأكل وشخط ونطر، دي الحياة حلوة بس نتصالح.
طبعاً الكلام ممكن يظهر في المجمل إنه كلام إنشا وموضوع تعبير بس هي دي الحقيقة وهو ده اللي بيحصل، لازم نتصالح ونستغل الشهر الكريم (ياللا يا "صالح" قوم صالــــــــح "مديحة".
كَبّر الــــD وروّق الــــ G
"صالح" بعد ما سمع الكلمتين واسترجع كلام "هيثم دبور" وقرر أنه مفيش أحسن من أنه "يكَبر الــــD ويروّق الــــ G" يعني يكبر دماغه ويروق الجمجمة وأن ملهوش في الدنيا غير "مديحة" مراته حبيبته وإنه مفيش أحسن من التصالح في الأيام المفترجة دي؛ علشان كده بمجرد ما المدفع ضرب ورُفع الأذان ظهر "صالح" في ثوب التقي المسكين الغلبان وطلب من "مديحة" العفو والغفران وإنها تقبل صلحه وما تزعلش كمان إنه ثاني أيام رمضان عازمها على الفطار في أحلى مائدة للرحمن!! يقصد في مطعم كبير علشان يبدأ معاها الشهر الكريم بنفس صافية؛ وعلى المائدة بمجرد انتهاء الأذان قرأ الفاتحة ودعاء الفطور.. وبدأ يعزم على "مديحة" بالطعام.
وفجأة سكت وقال: مديحااااااااااااااااااااة الشوربة ناقصة ملح!!!