الكرامة.. هي ذلك الشيء الذي يقبع في مؤخرة رأسك وتتحسسه بقلبك، وعندما يصاب بسوء -ذلك الشيء مش قلبك- ترتدي خوذة "هولاكو" وتطير فوق صهوة جواد "أحمد السقا" في فيلم "شورت وفانلة وكاب" -أيوه فيه لقطة على البحر بيجيب فيها حصان مش عارف منين!!- لكي تحارب العالم كله أملاً في أن تحميها.
الخلاف على وجود الكرامة في الحب من عدمه هو خلاف تاريخي.. خلاف البشر على أزليّة البيضة والفرخة -هو مين قبل مين صحيح؟- ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستدلّ على رأي قاطع وصارم في هذه القضية -الكتكوت طبعاً مش الكرامة- فالبيضة هي الأول؛ لأنها فقست الكتكوت، والكتكوت بقى فرخة وهكذا، وبلاش كلام كتير بقى في موضوع الفراخ ده أحسن البلدية بتلمّ الكل اليومين دول، وخلينا في موضوعنا..
الأول بس قبل ما ندخل في المعمعة -هي صح كده بس شكلها غريب شوية- لازم نفرّق بين موضوعنا وبين الكرامة المرتبطة بالخيانة الأخلاقية فعلاً وقولاً، دي قصة ودي قصة تانية خالص مش مجالها هنا، وكلامنا كله هيكون عن الكرامة المرتبطة في الأساس بتصرفات وأفعال وأقوال من النوعية المستخدمة بشكل يومي في حياتنا، يعني مثلا زي "مريم" اللي قالت لجوزها "سليط" بعد أسبوعين بس من جوازهم قدام مامته وأخته وهي بتهزر.. "سبيط يا حبيبي نفسي آكل جمبري".
فما كان من "سليط" إلا أن رفع يده والباقي.. إنتم عارفينه، فتعقّد الأمر، واتهم كل طرف الآخر بإهانته أمام العائلة.. ولولا أصحاب القلوب الرحيمة، كان الطرفان سيفترقان إلى الأبد.
ده مثال عام يعني.. وما يشترطش علشان يحصل أن يكون اسمك "سبيط" ممكن تبقى "مرجان" هاهاهاهاها...
كمان مش هنستبعد تماماً مرادف كلمة "الكرامة" المرتبط عند البعض وخاصة البنات بتنازلات أخلاقية من نوعية: "حبيته، فسلمت له نفسي.. وكرامتي.. على أساس إننا هنتجوز بعد 8 سنين" مفيش حاجة من دي خالص، الشرف ليس له مرادف إلا نفسه، وهو غير قابل للوضع في أي ميزان، هو وحده ميزان ومؤشر لأشياء أخرى.. اتفقنا على كده؟ لأ.. طيب كويس جدّاً.. نروح بقى للسؤال المهم..
هو فيه كرامة في الحب فعلاً؟
القصة دي تحديداً فيها ثلاثة اتجاهات واضحة وصريحة، واحد منهم مفتكس جديد حبتين واثنين معروفين، الاثنين المعروفين واحد فيهم –ها.. توهت ولا لسه؟- ممكن نقول عليه اتجاه عنتري بتاع الناس اللي قلبهم جامد حبتين، والتاني اتجاه مفلسف شوية، لكنه خليط ومزيج لطيف من الاتجاهات اللي قبله!!
الكرامة زي السوسة في الأسنان
محتاجة (سيجنال تووو) على طول.. حب يعني!!
الأصل في الحب الحقيقي –عند البعض- إن مفيش كرامة، ببساطة الحب نفسه كمضمون، وليس كمسمّى سطحي هو بديل للكرامة، فأينما وجد بصدق وعمق كافٍ بين أي طرفين انسحبت الكرامة إلى أقصى أركان العقل والعاطفة؛ لتظل كامنة هناك، ومع نمو الحب تتباعد المسافات، ولا تجد لنفسها مكاناً، فالطبيعي أن الحب يصاحبه احترام ووفاء وإخلاص وودّ واهتمام، وكلها أسماء مختلفة في شكلها لكنها متوحدة مع لفظ ومعنى الكرامة، ولكن مع انتفاء الحب تتعاظم قوة الكرامة، وتبدأ في الطفو على السطح.
بالبلدي كده، الكرامة في أي علاقة حب صادق لا وجود لها، لكنها تصبح ضيفاً خفياً وخبيثاً عندما تبدأ الخلافات والنزاعات تدبّ في العلاقة، فهي تفترش التراب ولا تأكل ولا تنام؛ لأن أحدا لا يعتني بها في العلاقة الحقيقية، لكنها سرعان ما تصبح وحشاً كاسراً بأنياب غليظة وقتما يسحب الحب عزاله، ويقرر هجران العلاقة إلى الأبد.
فيه إعلان بتاع معجون أسنان بيشرح قصة حياة السوسة اللي شكلها أخضر وبتهاجم طبقة المينا -ما تخبيش وشك ما تخافش- لما سعادتك تنسى تغسل أسنانك بعد الأكل.. فاكره؟ لأ؟..! طيب كويس قوي، الإعلان ده بيشرح بالظبط حدوتة الكرامة في الحب، فالسيجنال توو -اللي هو الحب يعني- يقضي دائماً على أي محاولات لوجود السوس -اللي هو الكرامة- وبالعكس تماماً يكون القياس؛ بمعنى أنك لما تبطّل تستعمل (سيجنال تو) تبدأ الأسنان في التسوس، حتى تتآكل تماماً، وكذلك يكون الحال عندما يرفع الحب يده عن أية علاقة حتى تتفاقم مشكلة الكرامة.
باختصار الاتجاه ده جديد شوية، معاصر حبتين، وإلى حد ما بيعكس مدى تطور علاقة الحب بين الزوجين في الألفية الجديدة، وخليك معايا كويس؛ لأن حتى فترة ما قبل الزواج طريقة التفكير بالشكل ده وبالكيفية دي شبه مستحيلة، وده مش بالإرادة يعني، لأ هو ما ينفعش؛ لأن بكل صراحة ووضوح الكيانات هنا ما زالت منفصلة ولم تتوحد، مهما قلت ومهما وصفت في وصولك مع طرفك الثاني إلى أسمى طبقات الحب، في لحظة، بل وأقل من لحظة، كل شيء قد يذهب من شباك العربية، زي ما بترمي كيس الشيبسي الفاضي!!
الكرامة فوق كل اعتبار..
لما تحبي تكلميني تقولي لي:
يا أستاذ "حسين"، أو: يا سيد "حسين"!!
فيه ناس الحب عندها كيان مستقل بكل ما فيه -من مشاعر وأفكار وهواجس وأحلام وأمنيات- عن الكرامة الشخصية، يعني أحبك آه، تيجي عليّ -عمداً أو بدون قصد- لأ.. كل واحد من طريق.
قد يبدو أنصار أصحاب هذا الاتجاه -وما أكثرهم- وكأنهم مصابون بجمودية القلب والمشاعر، وليس لديهم أي استعداد للتضحية والتحمل قليلا من أجل حبهم، لكن الفكرة ببساطة شديدة أنهم بالغوا كثيراً في الاعتداد بأنفسهم وبالغوا أكثر وأكثر في مفهوم ومعنى عزة النفس لديهم، فباتت مرادفاً يناطح الكرامة، ويعلوها في بعض الأحيان -على حسب الحالة المزاجية- فباتت كل كلمة أو فعل على بساطته أو قوته يحدث شرخاً ما في جدار تلك العلاقة؛ ليخرج في النهاية وحش الكرامة بكامل هيئته السيئة -زي السوسة الخضرا اوعى تخبي وشك- ليدافع عن نفسه وينسف ويدمر ويحطم كل شيء أمامه..
الأمثلة التاريخية على هذه النوعية من العلاقات جسّدتها الدراما المصرية في مسلسلات وأفلام قديمة وحديثة، فذلك الحوار الكوميدي لـ"صلاح ذو الفقار" أمام زوجته "شادية" عندما كان يحدثها في المصلحة أمام الموظفين ما زال خالداً في الذاكرة، وإلى حد ما يعكس ما نقول..
- مين اللي إدى العمال إجازة.
- أنا اللي إديت للعمال إجازة.
- مخصوم منك.. –تسكت، ثم تنظر بضعف، وترتخي أحبالها الصوتية- ليه يا "حسين" عملت كده؟
- أولاً لما تحبّي تكلميني تقولي لي: يا أستاذ "حسين" أو: يا سيد "حسين"، ثانيا: إدّيت العمال إجازة؛ لأني كنت شايف إنهم تعبوا.
- هيرتاحوا بعد ما نخلّص المشروع.
- بس أنا شايف إنهم يرتاحوا دلوقت.
- يعني مش عاوز تعترف بغلطك.
- لأ..
- مخصوم منك 3 أيام.
ويعود "حسين"؛ ليثأر لكرامته في المنزل.. فيحتدّ عليها، وتهرب من أمامه؛ لتجهز الطعام.. ثم..
- كل يوم قلقاس؟.. كل يوم قلقاس؟..
- ده مش قلقاس يا حبيبي، دي مكرونة بالفراخ!.
- كل يوم فراخ؟.. كل يوم فراخ؟.. دي عيشة تقرف..
أصحاب هذا المبدأ أو الاتجاه يحملقون بعصبية زائدة وحساسية مفرطة في كل كلمة أو فعل، ومبررهم في ذلك أن كرامتهم لا يمكن أن تمس، وخاصة من أقرب الناس إليهم، وهم بالمناسبة لا يفرقون بين أن يكون هذا الفعل أو القول أمام الناس أو في الخفاء، عموماً اللي بيفكروا بالشكل ده، ليسوا أشراراً ولا متذئبين يتحولون وقت اكتمال القمر بدراً -أعووو- بل بالعكس قد تجدهم طيبين للغاية، لكن تركيبتهم الشخصية تكونت بهذا الشكل وبهذا الأسلوب، فبات من الصعب تغييرها، فالثابت لديهم أن كفّة الكرامة ترجح دائماً عندما يوضع مقابلها الحب.
الحب الحقيقي هو
اللي يصون كرامة الحبيب ولا يمسها..
الكرامة هنا سلك مكشوف بجد اوعى تتكهرب!!
الاتجاه ده تقدر تقول عليه مفلسف شوية، لكنه يعد مزيجاً لطيفاً من الاتجاهين السابقين، فالحب هنا ليس عكس الكرامة -زي الاتجاه الأول- وفي نفس الأمر ليس في كفة والحب في كفة -زي الاتجاه الثاني- لأ.. الاثنين حاجة واحدة متطابقة، آه فيه كرامة عند كل طرف، لكنها غير مؤذية..
ببساطة شديدة –وتجنباً لأي خلط- في هذا الاتجاه دور الحب مختلف، بمعنى أنه لا يحلّ محل الكرامة -لأنها موجودة بشدة- وأيضا ليس أقل وظيفة من الكرامة؛ لأنه هو الذي يرعاها لذلك فهو مهم نفس أهميتها.
ولكن رغم ذلك يبقى سؤال مهم..
ماذا لو لم يراعِ أحد الطرفين سلك الكرامة وتعدّى عليه؟
لأ.. بخلاف إنه هيتكهرب، العلاقة هنا قد تصل إلى مفترق الطرق، وقد تلتهب الأمور -يعني نار وكهربا- وفي الحالة دي لازم المطافي والإسعاف تتدخل بقوة وفي الوقت المناسب -اوعى تستخدم الميه.. لو طفت النار هتنشفك من الصاعقة- والإسعاف والمطافي هنا هي الحب وعلاقة المودة والاحترام المتبادل والتي تعيد العلاقة إلى بدايتها مرة أخرى.
رغم كل ما سبق، الكرامة كأية قيمة إنسانية غير مرئية -لأنها محسوسة- تعتبر شيئاً نسبيّاً للغاية، فهي كأي مسمّى يختلف معناها من فرد إلى آخر وفق متغيرات كثيرة كالبيئة والتعليم والثقافة والنشأة والحالة الاقتصادية وغير ذلك، لذلك فمدلول الكرامة عند "سليط" قد يختلف بالتأكيد عن مدلول الكرامة لدى "مرجان" ده الكيلو بـ 20 جنيه، وده بـ 9.30!!..
إنت بقى رأيك إيه؟..
شايف إن الكرامة زي السوسة الخضرا -ما تخبيش وشّك- ولاّ حاجة فلّ، وأهم مليون مرة من أي حب في الدنيا، وأصون كرامتي من قبل حبي..
ولاّ شايف إنها مزيج لطيف من كل الاتجاهات اللي فاتت!!